الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة السلطان مسعود مع المسترشد. لما استولى السلطان مسعود على همذان استوحش منه جماعة من أعيان الأمراء منهم برتقش وكزل وسنقر والي همذان وعبد الرحمن بن طغرلبك ففارقوه ودبيس بن صدقة معهم واستأمنوا إلى الخليفة ولحقوا بخوزستان وتعاهدوا مع برسق على طاعة المسترشد وحذر المسترشد من دبيس وبعث شديد الدولة ابن الأنباري بالأمان للأمراء دون دبيس ورجع دبيس إلى السلطان مسعود وسار الأمراء إلى بغداد فأكرمهم المسترشد واشتدت وحشة السلطان مسعود لذلك ومنافرته للمسترشد فاعتزم المسترشد على قتاله وبرز من بغداد في عاشر رجب وأقام بالشفيع وعصي عليه صاحب البصرة فلم يجبه وأمراء السلجوقية الذين بقوا معه يحرضونه على المسير فبعث مقدمته إلى حلوان ثم سار من شعبان واستخلف على العراق إقبالا خادمه في ثلاث آلاف فارس ولحقه برسق بن برسق فبلغ عسكره سبعة آلاف فارس وكان أصحاب الأعراب يكاتبون المسترشد بالطاعة فاستصلحهم مسعود ولحقوا به وبلغ عسكره خمسة عشر ألفا وتسلل إليه كثير من عسكر المسترشد حتى بقي في خمسة آلاف وبعث إليه داود ابن السلطان محمود من أذربيجان بأن يقصد الدينور ليلقاه بها بعسكره فجفل للقاء السلطان مسعود وسار وفي ميمنته برتقش باردار وكور الدولة سنقر وكزول وبرسق بن برسق وفي ميسرته جاولي برسقي وسراب سلار وأغلبك الذي كان قبض عليه من أمراء السلجوقية بموافقتهم السلطان وكان ذلك عاشر رمضان سنة تسع وعشرين وانحازت ميسرة المسترشد إليه وانطبقت عساكره عليه وانهزم أصحاب المسترشد وأخذ هو أسيرا بموكبه وفيهم الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي وقاضي القضاة والخطباء والفقهاء والشهود وغيرهم وأنزل المسترشد في خيمة وحبس الباقون بقلعة سرحاب وعاد السلطان إلى همذان وبعث الأمير بك آي المحمدي إلى بغداد شحنة فوصل سلخ رمضان ومعه عميد فقبضوا أملاك الخليفة وأخذوا غلاته وضج الناس ببغداد وبكوا على خليفتهم وأعول النساء ثم عمد العامة إلى المنبر فكسروه ومنعوا من الخطبة وتعاقبوا في الأسواق يحثون التراب على رؤسهم وقاتلوا أصحاب الشحنة فأثخن فيهم بالقتل وهرب الوالي والحاجب وعظمت الفتنة ثم بلغ السلطان في شوال أن داود ابن أخيه محمود عصي عليه بالمراغة فسار لقتاله والمسترشد معه وتردد الرسل بينهما في الصلح..مقتل المسترشد وخلافة الراشد. قد ذكرنا مسير المسترشد مع السلطان مسعود إلى مراغة وهو في خيمة موكل به وترددت الرسل بينهما وتقرر الصلح على أن يحمل مالا للسلطان ولا يجمع العساكر لحرب ولا فتنة ولا يخرج من داره فانعقد على ذلك بينهما وركب المسترشد وحملت الغاشية بين يديه على العود إلى بغداد فوصل الخبر بموافاة رسول من السلطان سنجر فتأخر مسيره لذلك وركب السلطان مسعود للقاء الرسول وكانت خيمة المسترشد منفردة العسكر فدخل عليه عشرون رجلا أو يزيدون من الباطنية فقتلوه وجدعوه وصلبوه وذلك سابع عشر ذي القعدة من سنة تسع وعشرين لسبع عشرة ونصف من خلافته وقتل الرجال الذين قتلوه وبويع ابنه أبو جعفر بعهد أبيه إليه بذلك فجددت له البيعة ببغداد في ملأ من الناس وكان إقبال خادم المسترشد في بغداد فلما وقعت هذه الحادثة عبر إلى الجانب الغربي وأصعد إلى تكريت ونزل على مجاهد الدين بهروز ثم بعد مقتل المسترشد بأيام قتل دبيس بن صدقة على باب سرادقه بظاهر مدينة خوي أمر السلطان مسعود غلاما أرمنيا فوقف على رأسه فضربه وأسقط رأسه واجتمع إلى أبيه صدقة بالحلة عساكره ومماليكه واستأمن إليه قطلغ تكين وأمر السلطان مسعود بك آي شحنة بغداد فأخذ الحلة من يد صدقة فبعث بعض عسكره إلى المدائن وخام عن لقائه حتى قدم السلطان إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين فقصده وصالحه ولزم بابه..الفتنة بين الراشد والسلطان مسعود ولحاقه بالموصل وخلعه. وبعد بيعة الراشد واستقراره في الخلافة وصل برتقش الزكوي من عند السلطان محمود يطلب من الراشد ما استقر على أبيه من المال أيام كونه عندهم وهو أربعمائة ألف دينار فأجابه بأنه لم يخلف شيئا وأن ماله كان معه فنهب ثم نمي إلى الراشد أن برتقش تهجم على دار الخلافة وفتش المال فجمع الراشد العساكر وأصلح السور ثم ركب برتقش ومعه الأمراء البلخية وجاؤا لهجم الدار وقاتلهم عسكر الخليفة العامة فساروا إلى طريق خراسان وانحدر بك آي إلى خراسان وسار برتقش إلى البند هجين ونهبت العامة دار السلطان واشتدت الوحشة بين السلطان والراشد وانحرف الناس عن طاعة السلطان إلى الخليفة وسار داود بن السلطان في عسكر أذربيجان إلى بغداد ونزل بدار السلطان في صفر من سنة ثلاثين ووصل عماد الدين زنكي من الموصل ووصل برتقش باردار صاحب قزوين والبقش الكبير صاحب أصبهان وصدقة بن دبيس صاحب الحلة وابن برسق وابن الأحمديلي وجفل الملك داود برتقش باردار شحنة ببغداد وقبض الراشد على ناصح الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير استادار وعلى جمال الدين إقبال وكان قدم إليه من تكريت فتنكر له أصحابه وخانوه وشفع زنكي في إقبال الخادم فأطلقه وصار عنده وخرج الوزير جلال الدين أبو الرضا بن صدقة لتلقي زنكي فأقام عنده ثم شفع فيه وأعاده إلى وزارته ولحق قاضي القضاة الزينبي بزنكي أيضا وسار معه إلى الموصل ووصل سلجوق شاه إلى واسط وقبض بها بك آي ونهب ماله فانحدر زنكي إليه وصالحه ورجع إلى بغداد ثم سار السلطان داود نحو طريق خراسان ومعه زنكي لقتال السلطان مسعود وبرز الراشد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان ورجع بعد ثلاث وأرسل إلى داود والأمراء بالعود وقتال مسعود من وراء السور وراسلهم مسعود بالطاعة والموافقة فأبوا وتبعهم الخليفة في ذلك وجاء مسعود فنزل على بغداد وحصرهم فيها وثار العيارون وكثر الهرج وأقاموا كذلك نيفا وخمسين وامتنعوا وأقلع السلطان عنهم ثم وصله طرنطاني صاحب واسط بالسفن فعاد وعبر إلى الجانب الغربي فاضطرب الراشد وأصحابه وعاد داود إلى بلاده وكان زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين وأمن الناس واستدعى القضاة والفقهاء والشهود وعرض عليهم يمين الراشد بخطه: إني متى جندت جندا وخرجت ولقيت أحدا من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه ووافقهم على ذلك أصحاب المناصب والولايات واتفقوا على ذمه فتقدم السلطان لخلعه وقطعت خطبته ببغداد وسائر البلاد في ذي القعدة من سنة ثلاثين لسنة من خلافته.
|